الذات الإلهية وأهميتها في الصوفية

سنستكشف في هذا المقال مبادئ الذات الإلهية وأهميتها في التصوف، وكيف يشكل هذا المفهوم جزءًا أساسيًا من العملية الروحية للصوفيين.
تعريف الذات الإلهية:
يعرف القرآن الكريم الذات الإلهية (الله) في عديد الآيات مثل قوله تعالى{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ()هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[ الحشر: 22-23].
لقد تناولت الآية 22 تعريف الذات الإلهية من حيث الوحدانية والتفرد (لا إلاه إلا هو). ببنما الآية 23 تناولت تعريف الله بأسمائه الحسنى. الذات الإلهية تشير إلى الوجود الأكبر، أو الرب، أو الإله، والذي يُعَدُّ مصدرًا للحقيقة والحكمة والخير والجمال.
فهو (الله) بٱختصار خالق وباعث ومحيي ومميت ومبديء ومعيد…
الله خالق الإنسان:
قال تعالى﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[ غافر: 67]
الله خالق السماوات والأرض:
قال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[ الحديد: 4].
خالق الكواكب من أجل الإنسان:
قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[ الأنبياء: 33].
كما قال أيضا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[ الأنعام: 97].
أو كقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾[ الملك: 15].
الله له الأسماء الحسنى، المحيى، العليم …:
قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾[ الملك: 23].
كما قال أيضا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[ الأنعام: 60].
الذات الإلهيةفي الصوفية:
في الصوفية، يعتقد أن هذه الذات الإلهية تكمن داخل كل إنسان، وأن عملية اكتشافها والاتصال بها تشكل هدفًا رئيسًا للتصوف. ولهذا السبب فإن أحد أهم أهداف الصوفية هو تحقيق الاتحاد الروحي مع الذات الإلهية والوصول إلى الوعي الرباني.وذلك من خلال التركيز على هذا المفهوم، يمكن للصوفيين أن يستكشفوا مستويات جديدة من الروحانية والتلاقي مع المقدس. لذلك يسعى الصوفيون من خلال التعبد والتأمل وممارسة الأذكار والصلوات، أن يصبحوا واحدًا مع الله ويشعروا بالانصهار الروحي.
فلسفة التوحيد في الصوفية
يعتقد الصوفية أن المؤمن يجب أن يعرف ويشعر بأنه جزء من وجود الله واندماجه معه، لأن الله هو الموجود الواحد والحقيقي والمطلق.
مفهوم التوحيد في الصوفية
تُعَدُ فكرة التوحيد في الصوفية من أبرز المفاهيم التي تؤثر على الذات الإلهية. فبممارسة طرق التصوف مثل(الذكر الكثير لله عز وجل الصلاة الصدقات…) يسعى المتصوفة إلى التخلص من النفس الذاتية والاندماج مع ذات الله.
تعتبر هذه الفكرة مركزية في الصوفية وتؤثر بشكل كبير على السلوك والمفهوم الإلهي للمتصوف.
السلوك والتصوف

من أهم عناصر التصوف هو السلوك، الذي يعتبر طريقة للتعبير عن ارتباط الإنسان بالله وسعيه لتحقيق التلاقي معه.
علاقة السلوك بالذات الإلهية في التصوف
في التصوف، يعمل السلوك كجسر يربط بين الإنسان والله، حيث يساعد على تحقيق التلاقي بينهما.
كذلك يعتبر السلوك الصالح والأفعال الحميدة من أهم طرق التواصل مع الذات الإلهية في التصوف.
باستخدام السلوك الصالح والإيمان والتفاني،والقيام بأعمال صالحة ومشاركة المحبة والرحمة مع الآخرين، يستطيع المتصوف الوصول إلى الذات الإلهية وتجربة حضورها في حياته اليومية.
السلوك الزهدي والذات الإلهية:
يؤمن الصوفية بأنه من خلال السلوك الزهدي يمكن للفرد أن يصبح جزءًا من وحدة الكون.
أهمية السلوك الزهدي:
فمن خلال التخلص من رغبات المادة واعتدال استخدام الثروات، يستطيع المتصوف أن يركز تمامًا على رحلته نحو تجربة حقيقية مع الإله.
كذلك من خلال تركيز الفرد على الروحانية والأبعاد الروحية للحياة. يتجاوز الصوفيون العالم المادي ويسعون إلى تطوير روحهم والارتقاء بمستوى وعيهم.
أيضا من خلال التخلص من الشهوات والانغماس في التأمل والصلاة، يصبح هناك مساحة أكبر للفرد لأن يدخل في اتصال مع ذاته الإلهية.
وهكذا فقد يتجاوز ذلك حدود الذات والإنصهار مع حقيقة عظيمة تفوق المعرفة والتجربة. وفتح أبواب التلاقي مع اللاوعي والروحاني، مما يعزز الرؤية الشاملة للحياة.
الحالة الروحية والذات الإلهية:
كيف تؤثر الحالة الروحية على تجربة الذات الإلهية في الصوفية؟
تأثير الحالة الروحية على تجربة الذات الإلهية في الصوفية:
بداية عندما يصبح المتصوف في حالة روحية مرتفعة، فإنه يستطيع أن يركز بشكل أعمق وأكثر فعالية على تجربة الذات الإلهية. لأن هذه الحالة تسمح للشخص بالغوص في أعماقه وتجربة التواصل مع جوهره الروحي.
كما يمكن أن يحدث تحول في مفهومه الشخصي للذات الإلهية. فقد يشعر بالانصهار مع الله وتجربة الوحدة والاندماج التام مع جوهر الوجود الإلهي.
ولذلك تعد هذه الحالة الروحية المرتفعة مناسبة لفتح بوابات التأمل والانغماس في عمق الذات الإلهية. و يصبح المتصوف أكثر قدرة على استكشاف الأبعاد الروحية المختلفة وتجربة وجود الله بطرق جديدة وعميقة.
خلاصة الأمر، أن الحالة الروحية في التصوف لها تأثير كبير على تجربة الذات الإلهية، حيث تتيح للمتصوف فرصًا للاستكشاف والانغماس في المستوى الروحي والسعي لتحقيق التواصل مع الله.
أهمية المحبة في تحقيق وتقريب الذات الإلهية:
قام الصوفية بتركيز اهتمامهم على الوحدة مع الله. فهم يعتقدون أن المحبة تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق هذه التجربة.
يؤدي التركيز على المحبة إلى زيادة الوعي بالله والتواصل معه بشكل أعمق. من خلال التأمل والدعاء والسجود، يمكن للصوفي أن يشعر بالارتباط الروحي والانصهار مع قوى الكون.
- فهي تساعد في نشر السلام والتسامح في المجتمع. كما تؤدي إلى التفاهم والمودة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن اختلاف الديانات والثقافات.
- أيضا يعتقد الصوفية أن المحبة هي طريقة لتحقيق النور الإلهي في النفس وزيادة الوعي بالذات. حيث تساعد على تطهير القلب والروح من الغرور والكبرياء وتوجهها نحو الله.
- كما تعزز الشعور بالرضا والسعادة الداخلية. إذ تمنح الصوفي شعورًا بالانسجام مع الكون ومكانته فيه، مما يجلب له سلامًا داخليًا عميقًا.
- و أخيرا تساعد على التغلب على الفتن والشهوات، إذ تجعل الصوفي أكثر استقرارًا في حياته وأكثر قدرة على مواجهة التحديات والمصاعب.
بشكل عام، فإن المحبة تعتبر قوة ساحرة تؤدي إلى تحويل الإنسان وتطويره وأخذه في رحلة روحية عميقة، نحو الابتعاد عن الدنيا المادية والوصول إلى الروحانية العالية.
أهمية الشهادة مع الذات الإلهية في الصوفية:
في تجربة الصوفية، يعتبر التفاني في شهادة واحدة، وهي(لا إله إلا الله) أساسًا هامًا. الشهادة تعني توحيد الله والاعتراف بوجوده الحقيقي والتوجه نحوه بكل تفانٍ وإحساسٍ بالإيمان.
كما أن التوحيد يساعد على تحقيق روابط أعمق بين الفرد والأسس والقوانين التي ترتكز عليها التجربة الروحية.
من خلال هذا الاعتراف بالشهادة، يمكن للصوفي تحقيق التواصل الأعلى مع الذات الإلهية وتحقيق قرب أكبر من الله.
هذا التفكير يدعو الصوفي إلى استكشاف الأدلة على ذلك سواء في الطبيعة، أو في رؤية الجمال، أو في أعمال الفن.
وذلك من خلال الممارسات الروحية مثل التأمل والصلاة…
هكذا يعتقد الصوفي أنه عندما يستطيع الإندماج بالذات الإلهية، فإنه يصبح قادرًا على تحقيق نضارة الروح والسلام الداخلي. لذلك، فإن السعي للوصول إلى هذه الحالة هو هدف مركزي في التصوف.كما يعتبر أيضا رحلة شخصية يخوضها الصوفي على طول حياته، مع زيادة الفهم والتواصل في كل مرحلة.
الخاتمة:
في الختام، في بعض التصوف، يتم التأكيد على وحدانية الله وأنه لا يوجد شيء غيره. بينما في تحولات أخرى، يصبح هناك اعتقاد بأن الله موجود في كل شخص وكائن. ومع ذلك، فإن التركيز على العناصر المختلفة للذات الإلهية يؤدي إلى نفس الهدف النهائي، وهو تحقيق التواصل والاندماج مع الله.
اترك تعليقاً